بدل الوقت الضائع Poem by فيصل خليل

بدل الوقت الضائع

يبحث عن مكانِهِ
يبحث عن زمانِهِ
يستقرىء اللحظةَ
والبُرهَةَ
والنُّقاطَ
والبنودْ
وكانَ ظنَّ أنَّهُ موجودْ
وحينَ صاحَ الدّيكْ
أنكَرَهُ الصّديقُ
والشريكْ
ولم يكنْ أكثرَ من سحابةٍ
ضاعتْ على الحدودْ
وجُملةٍ
أغفلها السَّاردُ
والمسْرودْ
كانَ لَهُ
أن يلعبَ النَّردَ
معَ البقّالْ
ويشتري ' البوشارَ '
في الشارع
للعيال
وأنْ يجيبَ
كلَّما سأَلتهُ
عن حالِهِ الواقفِ
' ماشي الحالْ '
كان لهُ الخيارُ
أن يحترفَ الملاكمةْ
أو..يرفع الأثقالْ
وأن يزورَ بيتَ جدِّهِ
في آخرِ التّلالْ
كانَ لهُ
أنْ يألفَ المنادمَةْ
ويقرأَ ' الزّير
و' ألف ليلةٍ وليلةٍ
ويسهَرَ الليلَ
على حكاية الشَّاطِرِ
والبطّالِ
والمحتالْ
كانَ لهُ
أنْ يكرهَ الصَّيفَ
أو الخريفْ
وأنْ يكونَ معجباً
بشكل ' مادونا '
ووجه عُمرِ الشريف
كانَ لهُ
أنْ يأكلَ الجبنةَ
والزّيتونَ
في الفطورْ
وأن يزورَ ، في صباح العيدِ
ما شاءَ من القبورْ
وأن يقولَ
سعُيكمْ مشكورْ
كانَ لهُ
أن يمتطي درّاجةَ الهواءْ
أو..يستقلَّ الحافلةْ
أو..يسكبَ الحليبَ في الإناءْ
كانَ لهُ..
أن يجمعَ الزُّهورْ
أو يكتبَ الأشعارَ بالفحمِ
أو الحبرِ
أو الطَّبشورْ
وأنْ يزيدَ نغماً
إن شاءَ
في الطّنبورْ
وأنْ يُحييّ السَّابلةْ
ويُظهرَ السرورْ
كانَ لهُ
أن لا يقولَ كلمةً
وأن يظلَّ صامتاً
منتظراً..أنْ يصلَ البريدْ
وأنْ يكونَ نُسخةً
عن كلّ واحدٍ
يذهبُ ،
أو يجيءُ
منْ ' لندن '
أو ' باريس '
أو ' مدريد '
ولم يكن عليهِ
أن يرفعَ صوتهُ
بالشَّجبِ ، والتَّنديدْ
ولم يكن عليهِ
أن يُفسِّرَ البعيدَ
بالقريبِ
أو يُفسِّرَ القريبَ
بالبعيدْ
كانَ عليهِ أن يكونَ عاقلاً
وهادئاً
ككفَّتى ميزانْ
وأنْ يكونَ فطناً
يعرفُ أينَ ينبتُ الموزُ
وأينَ ينبتُ الرُّمَّانْ
وما الذي يهبُّ في الصَّحراءِ
أو يسبحُ في البحارِ
أو يسقطُ فوقَ السَّطحِ
أو ينزلُ في الشّطآنْ
وما الذي يُمكنُ أن يأكلهُ الخروفُ
حينَ تُعشبُ السفوحُ
والوديانْ
وماالذي يحفظُ شعر رأسِهِ
وما الذي يبيّضُ الأسنانْ
كانَ مُطالباً
بأنْ يحنَّ
كلَّما سافر
للرّبوعْ
ويُتقنَ الخروجَ (5)
والرُّجوعْ (6)
ويلزمَ الجناسَ، والمقابلةْ (7)
ويستجيبَ
كلَّما استجوبَ
للمساءلةْ
ولم يكنْ عليهِ
أن يميِّزَ الغثَّ
من الثمينْ
ولم يكن عليهِ
أن يشغلَ يومَهُ
بالظنِّ،
والتَّخمينْ
ولم يكن عليهِ
إلاّ أن يقولَ
بعدَ كلَّ ' عطسةٍ '
' آمينْ '
ولم يكن عليهِ
أن يحمل همَّ الناس
في ' قاشان ' (8)
وما الذي يحدثُ
في أطراف ' أصفهانْ ' (9)
ولم يكن عليهِ
أن يسألَ
إن كانَ من الأحرارِ
أو كانَ
من الخصيان
وأفلتَتْ من يدِهِ الأمورْ
ولم يعد يعرفُ في الساحةِ
ما يدورْ
ولم يعد يعرفُ في الشارعِ
ما يدورْ
ولم يعد يعرفُ
في غرفتِهِ
وفي سريرِ نومِهِ الوحيدِ
ما يدورْ
وحارَ ؛
هل يضحكُ ؟
أمْ يصمتُ ؟
أمْ يبكي على المغدورْ ؟
وهل يظلُّ واقفاً
ينتظر التَّيارَ
في عزلتِهِ
مثلَ عمودِ النّورْ ؟
وهل يكون جيّداً ؟
أن يشتري الخبزَ
منَ الفرنِ
أم التنّور ؟
كانَ يودُّ
لو يكونُ مثلَ غيرهِ
لو يستطيعُ أن يكونُ مثلَ غيرِهِ
يضحك
أو يسير
أو يجلس
مثلَ غيرِهِ
لو كانَ يستطيعُ
أن يلمعَ كالذَّهبْ
أو كانَ مثل غيرِهِ
مدوّراً
وجاهزاً للعرضِ
والطَّلبْ
أو كانَ مثلَ غيرِهِ
يسطيعُ أنْ يُقشِّرَ الكلام
ومثلما يُبدِّلُ القمصانَ
في خلوتِهِ
يُبدِّلُ الأقلامَ
والأعلامْ
الساعةُ الخمسونْ
الساعةُ الخمسونَ والدقيقة الخمسونْ
ولم يكن يعرفُ كيف - مثل غيرِهِ -
يستخدمُ الفرشاةَ
والمعجونْ
أو كيفَ-مثلَ غيرهِ-
يزيلُ كلَّ هاجسِ
بالماءِ ، والصّابونْ
الساعةُ الخمسون
والدقيقةُ الستون
الساعة الخمسونَ
والدقيقةُ السبعونْ
ومرَّتِ الأيَّامُ
ثمَّ انقضتِ الشُّهورْ
و..مثلَ غيرِهِ
أدركَ كيف يستميلُ
عمَّهُ النَّاطورْ
ومثلَ غيرِهِ
شُوهدَ ؛
في يمينِهِ يحملُ 'دولاراً'
وخلفَ ظهرِهِ
يخبّىءُ السَّاطورْ

COMMENTS OF THE POEM
READ THIS POEM IN OTHER LANGUAGES
فيصل خليل

فيصل خليل

سوريا
Close
Error Success