جمانة.. سوزان.. و.. كثيرات Poem by فيصل خليل

جمانة.. سوزان.. و.. كثيرات

النساء اللواتي أحببتهن
وكنت أصدق أنهن أحببنني
كن بعدد شوارع المدينة
المدينة التي عشت فيها
كما عاشت الأنهار والأشجار والطيور
وكلما طلعت علي الشمس
أغادر غرفتي إلى الزحمة
وأحس بقدمي تطآن الأرصفة
بين مئات الأقدام
وبكتفي وهما تطاولان الأكتاف
وقلبي يخفق بشدة
كجناحي طائر
يريد أن يعلو أكثر


من بعيد
الزهور متشابهة
والنساء اللواتي عرفتهن
في ذلك الزمن
كل واحدة منهن
كانت واحدة واحدة
ولم تكن واحدة سواها
فمن قريب
كما في الحديقة
الزنبق غير القرنفل
والنرجس ليس البنفسج
وكما في الحقول
الحور ليس كالصنوبر
ورائحة الغار رائحة
ورائحة الياسمين رائحة
وطعم حبة العنب
في الفم
غير طعم حبة الكرز
وأصابع اليد
بالغريزة
تميز بين الرمان والبرتقال
ومن نقرة على وتر
نقول: هذا الصوت من خشب الورد
وهذه النغمة أبنوس
وعلى الأوتوستراد في الطريق إلى الأكروبول
نظرة إلى (كاديلاك)
تعد مشاهدة بذاتها
ونظرة إلى (فيراري)
تعد مشاهدة أخرى

النساء اللواتي أحببتهن
وأشدد على أحببتهن
كتبت أسماءهن
على شوارع المدينة
فالشارع النازل من الشمال إلى الجنوب
شارع لبانة
والشارع المحاذي للنهر
شارع كوثر
والشارع المفضي إلى الضاحية
شارع صفية
والشارع الصاعد إلى القلعة
شارع وداد
والشارع الممتد حتى الساحة
شارع تهامة

ساعات النهار كانت تذكرني بأسمائهن
صباحاَ في السابعة أتذكر زينب
ومع ارتفاع الشمس في العاشرة
أتذكر درية
وعند الظهيرة في الواحدة
ستخرج سنية إلى الشرفة
وفي الثالثة بعد الظهر
سأعرف أن ناهد لا تمسح زجاج النافذة
وإنما تلوح لي: إلى اللقاء في المساء
وقبيل غروب الشمس في السادسة
إيمان تتمشى على الكورنيش
لا أحد يعرف
لماذا فجأةَ
وقعت في حب هذه الساعة من النهار
وفي المساء
من بيت عائدة إلى بيت الجيران
فرصة
لنضرب موعداَ للقاء في الغد
وفي الحلم يتزاحمن لاحتلال الأهداب
وكل واحدة تكون لها الأسبقية
ثم تتراجع إلى الخلف
ولأن تختفي و تتلاشى
فإنها لتعاود الظهور مرة ثانية
وأتقلب في السرير
موزاييك من الحياة النائمة المستيقظة
وفي الصباح أنهض
كما لو كانت الرحلة على وشك أن تفوتني

لطالما أحب الإنسان اللعب
وهكذا كان يحلو لي أن ألعب
فأسمي فتحية: غرناطة
(موشح من مقام الوصل
حديقة مرتبة النغمات)
وأسمي عاتكة: زائرة الظلام
(في اللحظة التي يفضلها السورياليون
لاقتناص طرائدهم
ترفل بالحرير بين النوم واليقظة
تفرش سجادة أصفهانية في الأهداب
ويحلو لها الحديث
عن جنات النعيم المقبلة
وكلما تثاءبت وقلت لها: أريد أن أنام
تنظر إلى النافذة وتقول:
الديك لم يصح بعد)
سميحة
بستان العيون
(من فاكهة إلى فاكهة
من لون إلى لون
ومن أذان إلى أذان)
مطيعة
الفارس المقنع
(تتقيك بنظرة من عينيها
وتسمو بك من العرض إلى الجوهر)
نفيسة
مولانا جلال الدين
لأنها تزيح الستارة
وتنظر إليك من البرزخ
جمانة لأنها موسيقا
سميتها نهاوند
فاتن عطارد
لأنها كانت تقطن
في الدور الرابع من البناية
وهند كليوباترة
ودرية البجعة
وسمية سمرقند
وعزيزة بخارى
وتهامة خيزران
وكريمة كوزيت
ولطفية (لامبرغيني)
وريم الدون الهادئ
وزكية طروادة
وسعاد القلعة
وليلى الصنوبرة
وآمنة العشرة الطيبة

النساء اللواتي أحببتهن
- لا أملك إحصاء -
كن كثيرات
الحب والحساب لا يلتقيان
يمكن إذا كان ممكناَ إعطاء احتمالات
لنقل كن بعدد العواصم المعروفة
لنقل بعدد المدن التي زرتها
بعدد أسواق مدينة مثل حلب
بعدد شعراء عاصمة مثل بغداد
بعدد أحلام سرير مرتب في وضع الانتظار
بعدد الأسماك التي يراها في الحلم صياد نائم

بعدد أغاني فيروز في دار دمشقية
بعدد الحدائق في مدينة أندلسية
بعدد النجوم في ليلة صافية
كل صباح
كنت أدخل في مقام الحيرة
أقف على مفترق
وأنظر كعصفور
إلى الجهات العشر
وكل جهة تغريني بخطوة
وما إن أضع قدمي
حتى تتحرك كالماء
وتحل محلها جهة أخرى
وتتراءى أمامي أشرعة وموانئ
ودرجات من الأزرق المخضر
ذهب وفضة
ياقوت ومرجان وقرنفل مضيء
وأتساءل
من أين أبدأ نهاري
من شارع سكينة
أم من شارع عتاب
وأي طريق أقصر إلى شارع مديحة
ومن شارع سعاد
أي منعطف سيفضي بي رأساَ
إلى شارع فاطمة
وكم من الزمن أحتاج
للوصول من شارع فاطمة
إلى شارع سوزان
ومن شارع سوزان
كم سأختصر
إلى شارع مريم
وكم خطوة بالعدد
من شارع مريم إلى شارع عاتكة
وماذا تقول سميرة
لو ارتفعت الشمس ذراعاَ
ولم أظهر في طرف الشارع
النهار بدأ
وأمامي عمل طويل
(أحيانا ابتسامة واحدة
تختصر روايات)
إلى آمنة
كان العبور مستحيلاَ
ولهذا اكتفيت بالوقوف على الضفة

ومن أجل عائشة
تاركاَ جسدي في السرير
كنت أفتح نافذة في الحلم
وأقفز منها إلى الشارع
وفي ساعة واحدة
في أقل من ساعة
كانت عفراء
تأخذني
من الرصيف
إلى الجنة
أمينة
كانت تحب أغنية
(زوروني كل سنة مرة)
وأنا كنت أحب
(طالعا من بيت أبوها)
وهكذا التقينا
نجلاء
كانت جامحة كفرس
مجنونة كحريق في غابة
وهذا ما كان يجعلني أطلق لها العنان
وأشعر بالسخونة
كلما تذكرتها
ولأن لمياء
كانت تلمع كوردة
كان لابد أن أغني كعندليب
كريمة
أكيد
كانت مزودة بأجهزة ترصد
من النوع المتطور جداَ
فأنت
أعني أنا
تحت أنظارها دائما
لم يكن أمامي خيار آخر
إذا كانت ليلى هي المراد
فماذا يبقى لي
سوى أن أكون المريد
(الذكريات
غالباَ ما تثير الأسى)

كان أفضل لو لم أعرف يوماَ ب
كان أفضل لو لم ألتق ب ج
كان أفضل لو لم أرد على ابتسامة د
كان أفضل لو مشيت في شوارع المدينة
ولم ألتفت يميناَ أو يساراَ
كان أفضل لو كنت أكثر دربةَ
وحرصت على أن لا تقع نظراتي
على نافذة أو باب أو مدخل بناية
أو على عينين
في كل جولة
كانت لهما الغلبة

كم أحتاج من الأسى
لكل ابتسامة
كم أحتاج من الحرير
لكل نسمة
كم أحتاج من التكرار
لتمتلئ المساحات الفارغة
في ساعات النهار
كم أحتاج من الوحدة
لأتذكر الزحمة
كم أحتاج من الأرز
لأنثره
فوق أيام محال أن تستعاد
سلام على شجر الحور
عل جانبي الطريق
سلام على الأسوار الطينية
والنوافذ المنقبة برائحة الياسمين
الأسماء المكتوبة على جذوع الأشجار
تستطيع البلدية محوها
ولكنها لن تستطيع محو أسماء
كتبت في القلب
لنترك الحزن بعيداَ
واصلون على الحزن
كل من فرح سيحزن
هكذا قالت المزامير
اليوم للفرح فلنفرح اليوم

كثيراَ ما ترنحت
في مقام السكر
وفي السرير
وجدت نفسي
في مقام الصحوة
ومع كل غزالة تلمع
كنت أدخل في مقام وأخرج إلى مقام
مقام الأقدام المبللة بضوء النهار
مقام الالتفاتات السماوية
ارتباك مرتب
تحت مظلات انتظار الحافلات
مقام الزهور القلقة
تأخر الوقت
غيوم مكفهرة تعد الثواني
خلف كل باب
مقام الورد في الوجنتين
مقام البريد السريع
رسالة عاجلة مضمونة
برمش العين
مقام الطيران
جناحا الحب
يحملانك
إلى أعلى نافذة
لان الماء حين يغلي
يتصاعد نحو السماء

في ذلك الزمن
كان كل نهار نهاراَ
ولم يكن نهاراَ آخر
وكما يقولون ألف ليلة وليلة
يمكنك أن تقول ألف نهار ونهار
في ذلك الزمن
كان المطر يهطل
كما يهطل اليوم
ولكن الشوارع كانت تتبلل باللآلئ
والأحجار الكريمة
ومع كل موجة تضربها الرياح
كانت الجواهر تتناثر عند المنعطفات
ومداخل المنازل
ومع أن الأفق
كان يرعد ويبرق
كانت الأيام تمر صافية
وكانت هدايا الحب الكلمات
تستحم برائحة التراب
وبالتفاتات الأيائل
قبل انغلاق الأبواب
في ذلك الحين
لم يكن المكان ضيقاَ
ولم يكن الزمان فضفاضاَ
كانا يتحركان معي
يلتفتان إذا التفت
ويبتسمان إذا ابتسمت

في ذلك الزمن
لم أكن في حاجة
للحلم بالعثور ذات مصادفة
على مصباح علاء الين
ففي مثل أمنياتي
لم يكن المارد ليجدي نفعاَ
لأن قلوب الناس
ليس لأحد أن يأخذها غصباَ
حتى لو كان ملكاَ من الملوك
وما كنت أحتاج
لإغماض عيني وإضمار أمنية
ثم أفتحهما لأجدها بين يدي
أو إلى النظر في الكرة البلورية المسحورة
ليتراءى لي فيها ما ينتظرني بعد خطوة
كان زماناَ للقرب
ولم يكن زماناَ للبعد
وكانت حدائق الحب
تشرق في كل ابتسامة
ولم أكن أتكلم عن شيء آخر
سوى الحب
الحب كما يعرفه أي واحد
كل شيء كان يترقرق كالماء
كل شيء كان يلمع كالذهب
كل شيء كان من فضة
من ياقوت.. عقيق.. و مرجان
لحظة عثور على كنز
كل يوم لاشيء مغلق
الأبواب مفتوحة
ما من حاجة إلى مفاتيح
ألغاز مختبئة
في العيون
الفراغ السكون الضجر
مفردات كانت في الحكايات
ولم أكن لأتساءل
أين يتوجب علي أن أضع قدمي
لأخطو
ولم أكن لأمضغ الكلمات
لأعرف ما ينبغي أن يقال
في ذلك الحين
الطيور كانت تبتسم في الأشجار
والنهر تتراقص فيه الأواني الفضية
والذهب يعلق بصفحة البحر
وكنت أتحدى الجاذبية
لأني لم أكن أحمل على كتفي
ما أحمله اليوم
مما
لا أظن أنه سيتاح لي
أن أضعه
فيما بقي لي

في ذلك الحين
ما كنت لأرضى
أقل من بطولة مطلقة
وها أنا اليوم
ربما عن طيبة خاطر
أقبل بدور الضحية
أعتذر من سكينة
كانت تتمتع بفائض من الحكمة
أكثر مما يستطيع جهلي احتماله
كيف أشرح الأمر
سراب
كانت السؤال الأصعب
تتحرك كسمكة
وتتحدث كدجاجة
على أبواب ليلى
وقفت
واستوقفت
لم يكن اللغز سهلاَ
كلغز أبي الهول
كان اللغز لغز أبي ليلى
لكم أنا آسف
ربما أدركت الآن يا وردة
أن نهار السرور
أقصر نهار
وأن ليل سوء الطالع
أطول ليل في السنة

لتغفر لي مديحة
منحتني رؤية العالم بالألوان
وبقيت تراه
بالأسود والأبيض
الآن وقد خرجت من الجنة
تصل أصوات شوارع المدينة إلى قلبي
لا يزال في انتظارك
كل ما تمنيت لو يكون في انتظارك
الأرصفة المقاهي المنعطفات الأسواق القديمة
الجرائد الكتب النظرات والالتفاتات
هذا هو مكانك وهذا هو زمانك
النهار يأتي إلى نافذتك
وصهيل الطريق على الباب
أتساءل
فات الأوان
ألم يفت الأوان؟
أفكر
ربما
لكن
ربما ماذا ؟
في هذه اللحظة
أشعر أني أقرب ما أكون
إلى هاملت
وأتمتم كان مصيباَ
كيف له أن يحسم الأمر
وأطبق شفتي
سأنتظر
لكن من؟
هذه المرة أفهم أكثر
في انتظار غودو
وماذا أفعل؟
أنتظر

COMMENTS OF THE POEM
READ THIS POEM IN OTHER LANGUAGES
فيصل خليل

فيصل خليل

سوريا
Close
Error Success