وطن بالإيجار Poem by نزار قباني

وطن بالإيجار

كُلَّ نَهَارٍ
(أَجلِسُ عند صديقي الإِيطاليِّ (رُوبِرْتُو
كُلَّ نَهَارْ
أَحْمِلُ تخطيطاتِ الشِعْرِ
وآكُلُها بَدَلَ الإِفْطَارْ
صارَ (رُوبِرْتُو) يعرفُ وجهي
صارَ يقيسُ مساحةَ حُزْني بالأَمتارْ
كُلَّ نَهارٍ
أمشي فوقَ الوَرَقِ اليابسِ
كُلَّ نَهَارْ
أَتَحَدَّثُ في لغةِ الأَعشابِ
وأَفْهَمُ إِحْسَاسَ الأَشجارْ
كُلَّ نَهارٍ
أَصْنَعُ أملاً من ألوانِ الطَيْفِ
وأَصْنَع شَعْباً من أزهارْ
كُلَّ نَهَارٍ
أَنوِي فيهِ رُكُوبَ البَحْرِ
تَقُولُ الشُرْطَةُ : لا إِبحَارْ
كُلَّ نَهَارٍ
أَبني وطَناً أَسكنُ فيهِ
فتجرفُهُ الأمطارْ
كُلَّ نَهارٍ
أَلبسُ ذاتَ المِعْطَفِ
أَقْطَعُ ذاتَ الشارِعِ
أُشْغِلُ ذاتَ المقعدِ
أَطلبُ ذاتَ القَهْوَةِ
أَشْري صُحُفاً من بُلْدَان الشَرْقِ الأَوسطِ
لا أَتحمَّسُ كي أفْتَحَها
فالأخبارُ هيَ الأَخبارْ
في القرنِ الأَوَّلِ .. أو في القرنِ العاشرِ
الأَخبارُ هِيَ الأَخبارْ
كُلَّ نَهارٍ
(أجلسُ عند صديقي الإِيطاليِّ (روبِرْتو
كلَّ نهارْ
أَطلُبُ قَدَحاً من كونياك فَرَنْسَا
أبلعُهُ سَيْفاً من نارْ
أكتُبُ فوق الفُوطَةِ شِعْراً
تبكي منهُ فَتَاةُ البَارْ
كُلَّ نَهَارٍ
تجلسُ فوقَ سريري امْرأَةٌ
تخطُفُها مِنِّي الأَقدَارْ
كلُّ امرَأَةٍ تحملُ طفلاً منّي
يَضْرِبُهَا الإِعْصَارْ
كلَّ نَهَارٍ
أكتُبُ للحريَّةِ شِعْراً
يمنعُهُ حتَّى الأَحرارْ
يا سيِّدتي
إِنَّ النَمْلَةَ تملِكُ وَطَناً
إِنَّ الدُودَةَ تَمْلِكُ وطَناً
إِنَّ الضِفْدَعَ يَمْلِكُ وَطَناً
إِنَّ الفَأَرَةَ تَمْلِكُ وَطَناً
إِنَّ الأَرْنَبَ يَمْلِكُ وَطَناً
والسِحْلِيَّةَ ، والصَرْصَارْ
وأَنَا مَا مَلَّكَني أَحَدٌ وطناً
ولِذا ، أَسكنُ يا سيِّدتي
وَطَناً بالإِيجَارْ

COMMENTS OF THE POEM
READ THIS POEM IN OTHER LANGUAGES
Close
Error Success