أصدقائي Poem by Ghayath Almadhoun

أصدقائي


ساورتني دمشقُ...
وكنتُ أكنِّسُ أحياءها
كنتُ أصغرَ من جوعها...
وحيداً..
وأنزفُ بالأصدقاءِ
ذئابٌ ولكنهمْ أصدقائي..
سكبتُ ملامحهمْ في جيوبيْ..
وخبَّأتُهمْ حين أمطرتِ الشامُ
أطعمتهمْ غرفتي..
كنتُ حين يواعدُ أيُّهمُ امرأةً..
كنتُ أكذبُ
كي يتباهوا قليلاً..
وأمطرها بالبطولاتِ والرائعاتِ التي ارتكبوها
ولكنني ....
حينما لم أقاسمهمُ كسرتي أنكروني
ذئابٌ ولكنَّهم أصدقائي..

* * *

لهمْ شكلُ قبرٍ...
يفيضُ على لغةٍ.. وأَدَتْ كاتبيها
ومن كرزِ الذكرياتِ يطلُّونَ
من شرفاتٍ تُمَدْمِدُ أعناقها
لم يعيشوا طويلاً..
لكي يتركوا ما يدلُّ على أنهمْ عابرونْ
سوف لن يرجعوا حينما يرجعونْ
ساورتني دمشقُ
وكانت توزع أثداءها للجياعِ
وكنتُ ألملمُ حبَّات سُبحةٍ أفلتتها
أنادي على الذاهبينَ إلى قاسيونَ ...
أنِ ارموا دَمِيْ
مطراً فوق بابِ الصغيرِ
ومن أصدقائي..
تعلَّمتُ أنْ أسرقَ الخبزَ..
كيلا أعيشَ وكيلا يموتوا
ذئابٌ ولكنهم أصدقائي..
تراهُمْ.. كأنَّ لهمْ حدبةً..
وتعرفهمْ دون سابقِ سكرٍ..
لهمْ سحنةُ الميتينَ..
وإيماءُ مدفأةٍ في الشتاءِ
سكارى وما هُمْ سكارى
ولكنهمْ شربوا فوق طاقاتهمْ
أصدقائي..

* * *

بعضهمْ ما استطاعَ احتمال الحقيبةِ..
فابتاعَ أول عاصمةٍ.. دثَّرتهُ بحاناتها
كل عامٍ يعودُ إلى الشامِ
كي ينفضَ الثلجَ عن جلدهِ
ويحدِّثني عن عواصمَ تحترمُ الناسَ
أنَّى يكونوا
ويخبرني هامساً أنَّ للعرق البلديِّ اشتهاءٌ
يفيضُ على أيِّ خمرٍ
وحين نظلُّ وحيدين ...
يمنحني حفنةً من نقودٍ
فآخذها دونما خجلٍ..
كيف أخجلُ من أصدقائي..
ذئابٌ ولكنني مِثلهمْ
مثقلٌ بالخطايا..

* * *

سأملؤهم فجأةً بالذهابِ
أجيءُ كأنَّ على ثاقليْ.. أغنياتٌ
وأطلقهمْ كالجيادْ على عشبْ روحي
سأكسرُ شبَّاكَ صدري لكي يقرؤوا
ما تناثرَ من وجعي خلسةً
أنتقي من خزانةِ أيامنا..
ما يليقُ بأحزانهمْ..
مثل أُمٍّ
أداعبُ خصلاتِ أيَّامهمْ..
كي يناموا..
وأسرقُهمْ من مناديل من ودَّعوهمْ..
ولم يذرفوا دمعةً..
أنثرُ الخمرَ سجَّادةً عند أقدامهمْ كي يمروا
حفاةً إلى فسحة الليلِ..
أهذي بهمْ
أصدقائي...
بقايا أُناسٍ..
مشى الركبُ من فوقهمْ..
هلكتْ نصفُ ضحكاتهمْ بالتبوغِ الرديئةِ..
أما البقايا..
تكفَّلت الخمرُ في هتكها
أصدقائي..

* * *

بعضهم أطفؤوا شمعة العمر..
ماتوا اختناقاً
وما احتملوا
غابة الشجرِ المعدنيِّ
تكبِّلُ أنفاسهمْ
كلما شهقتْ رئةٌ كي تفتشَ عن ياسمين
رمتهمْ دمشقُ بإسمنتها
بعضهمْ سرقتهُ النساءُ..
إلى عشِّها
فاستفاقَ من الجنَّة المشتهاةِ
على صرخةِ الطفلِ..
صار أباً
بعضهمْ سارَ نحو القصيدةِ
لم يرتكبْ غيرها
بعضهم.. قبل أن تُشرقَ الشمسُ..
جاؤوا إليه..
دعوهُ لكي يحتسي قهوةً..
ثمَّ ما عادَ.. ما عادَ..
لهفي على أُمِّهِ
آهِ لهفيْ على أصدقائي

* * *

سأحرسُهمْ من لصوصِ الحكايا..
وأورثهمْ غصَّتيْ..
سوف أتركُ فوق دفاترهمْ خربشاتي..
وفوق مراياهمُ صورتي..
سوف أتركُ كأسيْ مليئاً..
على كلِّ طاولةٍ ضاجعوها
وأرفعُ نخْبَ.. حضورهمُ في غيابي
وأرسلُ روحي بريداً..
أزفُّ لهم حُرقتي..
سوف أنسجُ صوفَ الأحاديثِ شالاً على جيدهمْ
أصدقائي

* * *

سنرجعُ في ذاتِ شامٍ...
لكي نحتسيْ الشاي خبزاً
ونرميْ تفاصيلَ.. ذاكرةٍ.. أشبعتنا
إلى بردى
ثمَّ نمضيْ.. لزوجاتنا..
كالجنودِ..
إلى الحربِ بعد انتهاءِ الإجازةِ
نمضي..
ليتسعَ الموتُ أكثرَ..
أكثرَ ...
في كلِّ صيفٍ
وننسى جميعَ التفاصيلِ...
لكنَّنا نتذكَّرُ دوماً..
حكاياتِ جدَّاتنا
عن ذئابٍ تصيدُ معاً /..
وتمشيْ معاً / ..
وتعويْ معاً / ..
ولكنَّها حين يُجرحُ واحدها.. صُدفةً /
تشمُ دمَ الذكرياتِ
فتأكلُ لحمَ أخيها معاً..
أصدقائي...

* * *

ذئابٌ لهم ضحْكُ طفلٍ..
براءةُ نايٍ
وأحلامُ نورسةٍ..
إنَّما ...
حينما لم أقاسمْهُمُ كسرتي ...
أنكروني..

COMMENTS OF THE POEM
READ THIS POEM IN OTHER LANGUAGES
Close
Error Success