ميلاد شاعر Poem by علي محمود طه

ميلاد شاعر

هبط الأرض كالشعاع السنيّ {#spc}بعصا ساحر و قلب نبيّ
لمحة من أشعّة الرّوح حلت {#spc} في تجاليد هيكل بشريّ
ألهمت أصغريه من عالم الحكـ {#spc}ـمه و النّور كلّ معنى سريّ
و حبته البيان ريّا من السحـ {#spc} ـر به للعقول أعذب ريّ
حينما شارفت به أفق الأر {#spc} ض زها الكون بالوليد الصّبيّ
و سبى الكائنات نور محيّا {#spc} ضاحك البشر عن فؤاد رضيّ
صور الحسن حوّم حول مهد {#spc} حفّ بالورد و العمار الزّكيّ
و على ثغره يضيء ابتسام {#spc}رفّ نورا بأرجوان ندي ّ
و على راحتيه ريحانة تنـ {#spc} ـدى و قيثارة بلحن شجيّ
فحنت فوق مهده تتملّى{#spc} فجر ميلاد ذلك العبقريّ
و تساءلن حيرة : ملك جا {#spc} ء إلينا في صورة الإنسيّ؟
من ترى ذلك الوليد هـ {#spc} ـشّ له الكون من جماد و حيّ؟
من تراه؟ فرّن صوت هتوف {#spc} من وراء الحياة شاجي الدّويّ
إنّ ما تشهدون{#spc} ميلاد شاعر
كان وجه الثّرى كوجه الماء را {#spc} ئق الحسن مستفيض الضّياء
حين ولّى الدّجى و أقبل فجر {#spc} واضح النّور مشرق اللألاء
بهج في السّماء و الأرض يهدى {#spc} من غريب الخيال و الإيحاء
صفّقت عنده الخمائل نشوى{#spc} و شدا الطّير بين عود و ناء
مظهر يبهر العيون و سحر {#spc} هزّ قلب الطّبيعة العذراء
و جلا من بدائع الفنّ روضا {#spc} نمّقته أنامل الإغراء
ما الرّبيع الصّناع أوفى بنانا {#spc} منه في دقّة و حسن أداء
نسق الأرض زينة و جلاها {#spc} قسمات من وجهه الوضّاء
ربوة عند جدول عند روض {#spc} عند غيض و صخرة عند ماء
فزها الفجر ما بدى و تجلّى {#spc} و ازدهى بالوجود أيّ ازدهاء
قال:لم تبد لي الطّبيعة يوما {#spc} حين أقبلت مثل هذا الرّواء
لا و لم يسر ملء عيني و أذني {#spc} مثل هذا السّني و هذا الغناء
أيّ بشر لها تجمّلت الأر {#spc} ض و زافت في فاتنات المرائي؟
علّها نبّئت من الغيب أمرا {#spc} حملته لها نجوم المساء
قال ماذا أرى ؟ فردّد صوت {#spc} كصدى الوحي في ضمير السّماء
إنّ هذا يا فجر {#spc}ميلاد شاعر
كان فجر و كان ثمّ صباح {#spc} فيه للحسن غدوة و رواح
بكرت للرّياض فيها عذارى {#spc} تزدهيهنّ صبوة و مراح
حين لاحت لهنّ رنّ هتاف{#spc} و علت بالدّعاء منهنّ راح
قلن : ما لأجمل الصّباح فما حـ {#spc}ـلّ على الأرض مثل هذا صباح
فتعالوا بنا نغنّي و نلهو{#spc} فهنا اللّهو و الغناء يتاح
و هنا جدول على صفحتيه {#spc} يرقص الظّلّ و السّني و الوضّاح
و على حافتيه قام يغنّيـ {#spc} ـنا من الطّير هاتف صدّاح
و فراش له من الزّهر ألوا {#spc} ن و من ريق الشّعاع جناح
دفّ في نشوة يناديه نوّا {#spc} ر و عطر من الثّرى فوّاح
و هنا ربوة تلألأ فيها {#spc} خضرة العشب و النّدى اللماح
و نسيم كأنه النّفس الحا{#spc} ئر تصغي لهمسه الأدواح
مثل هذا الصّباح لم يلد الشّر {#spc} ق و لم تنجب الشّموس الوضاح
لكأّنا بالكون أعلام ميلا {#spc} د و عرس قامت له الأفراح
أيّ حسن نرى؟ فردّد صوت {#spc} شبه نجوى تسرّها أرواح
إنّ هذا الصباح {#spc}ميلاد شاعر
و تجلى المساء في ضوء بدر{#spc} و شفوف غرّ الغلائل حمر
و سماء تطفو و ترسب فيها الـ {#spc} ـسّحب كالرّغو فوق أمواج بحر
صور جمّة المفاتن شتّى {#spc}كرؤى الحلم أو سوانح فكر
لا ترى النّفس أو تحسّ لديها{#spc} غير شجو يفيض من نبع سحر
أفق الأرض لم يزل في حواشيـ {#spc} ـه صدى حائر بألحان طير
و بأحنائه يرفّ ذماء {#spc} من سني الشّمس خافق لم يقرّ
و على شاطئ الغدير ورود {#spc}أغمضت عينها لمطلع فجر
وسرى الماء هادئا في حوا {#spc} فيه يغنّي ما بين شوك و صخر
و كأنّ النجوم تسبح فيه {#spc} قبلات هفت بحالم ثغر
و كأنّ الوجود بحر من النو{#spc} ر على أفقه الملائك تسري
هتفت نجمة: أرى الكون تبدو {#spc} في أساريره مخايل بشر
و أرى ذلك المساء يثير السّحـ {#spc}ـر و الشّجو ملء عيني و صدري
ترانا بليلة الوحي و التّنـ {#spc} ـزيل؟ أم ليلة الهوى و الشّعر؟
ما لهذا المساء يشغفنا حبّـ {#spc}ـا و يروي بنا الفتون و يغري
أيّ سرّ ترى؟فرنّ هتاف {#spc} بنجيّ من الصدى مستسرّ
إنّ هذا المساء {#spc}ميلاد شاعر
قمر مشرق يزيد جمالا {#spc} كلّما جدّ في السّماء انتقالا
و سكون يرقى الفضاء جناحا {#spc} ه على الأرض يضفوان جلالا
هذه ليلة يشفّ بها الحسـ {#spc} ـن و يهفو بها الضّياء اختيالا
جوّها عاطر النّسيم يثير الـ {#spc}ـشّجو و الشّعر و الهوى و الخيالا
و إذا النّهر شاطئا و نميرا {#spc} يتبارى أشعّة و ظلالا
و سرى فيه زورق لحبيبـ {#spc} ـن شجيّين ينشدان وصالا
يبعثان الحنين في صدر ليل {#spc} ليس يدري الهموم و الأوجالا
شهد الحبّ منذ كان روايا {#spc} ت على مسرح الحياة توالى
و جرت ملء مسمعيه أحاديـ {#spc} ـث عفا ذكرها لديه و دالا
ذلك الباعث الأسى و المثير الـ{#spc} ـنّار في مهجة المحبّ اشتعالا
لم يجب قلبه لميلاد نجم {#spc} لا و لم يبك للبدور زوالا
بيد أنّ القضاء أوحى إليه {#spc} ليذوق الآلام و الآمالا
فأحسّ الفؤاد يخفق منه {#spc} و رأى النّور جائلا حيث جالا
و استخفّته من شفاه الحبيـ {#spc} ـبين شؤون الهوى فرقّ و مالا
و تجلّت له الحياة و ما فيـ {#spc}ـها فراعته فتنة و جمالا
فجثا ضارعا: أرى الكون ربّي {#spc}غير ما كان صورة و مثالا
لم يكن يعرف الصّبابة قلبي {#spc} أو تعي الأذن للغرام مقالا
أتراها تغيّرت هذه الأر {#spc} ض أم الكون في خيالي حالا
ربّ ماذا أرى؟ فرنّ هتاف {#spc} مستسرّ الصّدى يجيب السّؤالا
إنّ هذا يا ليل {#spc}ميلاد شاعر
و تجلّى الصّدى الحبيب السّاحر {#spc}في محيط من الأشعّة غامر
و سكون يبثّ في الكون روعا {#spc}وقفت عنده اللّيالي الّدوائر
و ستكان الوجود و التف الدّهـ {#spc}ـر و أصغت إلى صداه المقادر
لم يبن صورة و لكن راته {#spc} بعيون الخيال منّا البصائر
قال: يا شاعري الوليد سلاما {#spc} هزّت الأرض يوم جئت البشائر
فإليك الحياة شتّى المعاني{#spc} و إليك الوجود جمّ المظاهر
لا تقل كم أخ لك اليوم في الأ {#spc} رض شقيّ الوجدان أسوان حائر
إن تكن ساورته في الأرض آلا {#spc} م و حفّت به الجدود العواثر
فلكي يستشفّ من خلل الغيـ {#spc} ـب جمالا يذكي شباب الخواطر
و لكي ينهل السّعادة من نبـ {#spc} ـع شهيّ الورود عذب المصادر
فلكم جاء بالخيال نبيّ {#spc} و لكم جنّ بالحقيقة شاعر
إنّما يسعد الوجود و تشقو {#spc} ن و إنّي لكم مثيب و شاكر
و لكم جنّتي اصطفيتكم اليو{#spc} م لتحيوا بها جميل المآثر
فانسقوها جداولا و رياضا {#spc}و اجعلوها سرح النّهى و النّواظر
اجعلوا النّهر كيف شئتم و مدّوا {#spc} شاطئيه بين المروج النّواضر
ماؤه ذوب خمرة و سنا شمـ {#spc} ـس وريّا ورد و ألحان طائر
وضعوا هضبة تطلّ عليه {#spc} ذات صخر منوّر العشب عاطر
واغرسوا النّخلة الجنيّة فوق النّبـ {#spc} ـع في الموقف البديع السّاحر
و اجعلوا جنّتي{#spc} قصيدة شاعر
أدخلوا الآن أيّها المحسنونا {#spc} جنّة كنتم بها توعدونا
اجعلوها من البدائع زونا {#spc} و املأوها من الجمال فنونا
املأوها فنّا و ليس فتونا {#spc} و انشروا الصّفو فوقها و السّكونا
غير لحن يرفّ فيها حنونا {#spc} تتغنّى به الطّيور و كونا
و سنا مشرق يضيء الدّجونا {#spc} سرمديّ الشّعاع يمحو المنونا
رائق النّور ليس يعشي العيونا {#spc}وتغنّوا بها كما تشتهونا
و صفوها جداولا و عيونا {#spc} وورودا نديّة و غصونا
لا تثيروا بها الهوى و المجونا {#spc}و احذروا أن تذكّروا المجنونا
فلقد ثاب من هواه شجونا {#spc}و خلا مهجة و جفّ شؤونا
و هو في جنّتيه {#spc}أسعد شاعر
أيّها الشّاعر اعتمد قيثارك {#spc} و اعزف الآن منشدا أشعارك
و اجعل الحبّ و الجمال شعارك {#spc} و ادع ربّا دعا الوجود و بارك
فزها و ازدهى{#spc} بميلاد شاعر

COMMENTS OF THE POEM
READ THIS POEM IN OTHER LANGUAGES
علي محمود طه

علي محمود طه

المنصورة
Close
Error Success