الإنسان الأخير Poem by سيد قطب

الإنسان الأخير

صحا ذات يوم حين تصحو البواكرُ {#spc}وتستيقظ الدنيا وتجلو الدياجرُ
ويشرقُ وجه الصبح في غمرة الدجى {#spc} كما تشرقُ الآمال واليأس غامرٌ
وتضطربُ الأنفاسُ خفّضها الكرى{#spc} وتخفق أرواح وتذكو مشاعرُ
وحين يعج الكون بالصوت والصدى{#spc} وبالكدح تزجيه المنى والمخاطرُ
وبالصرخة الهوجاء والضحكةُ التي {#spc}يضج بها الأحياءُ والدهرُ ساخرُ
ولكنهُ لم يلفِ بالكون نأمة {#spc} تنم على حيّ ، ولم يهـفُ خاطرُ
ففي نفسهِ ما يشبهُ الموت سكرة {#spc}ومن حوله موتٌ نمتهُ المقابرُ
جلال كأن الله أطلع وجههُ {#spc} عليهِ ، فقرّت في النفوس الضمائرُ
وصمتٌ فما في الكون صوت ولا صدى {#spc} ولا خفقةٌ يُحيي بها الكون شاعر
فأدرك في أعماقهِ عن بديهة{#spc} نهاية ما صارت إليه المصائر
وما همّ بالتنقيب عن أي صاحبٍ {#spc} ففي نفسهِ يأسٌ من النفسِ صـادرُ
ولكنهُ ألقى بها عبر نظرة{#spc} على الكون والأيام وهي دوائرُ
ركامُ وأشلاء وأطلال نعمـة {#spc} وبؤسٌ ، وشتّى ما حوتهُ الأداهر
وفي نفسهِ من مثلها كل ذرة {#spc} فهاتيك أشلاء وهذي خواطرُ
تجمّع فيها ما تفرق في الورى {#spc}وما ضمنت تلك السنون الغوابرُ
خلاصةُ أعمارٍ وشتى تجاربٍ {#spc} ومجمع أشواق بها الكون حائرُ
وأوغلَ في إطراقةٍ ملؤها الأسى{#spc} فمرّت عليه الذكريات العوابرُ
تحث خطاها موكبا إثر موكبٍ وقد{#spc} جاورت فيها المآسي البشائرُ
وأقبلت الآمالُ واليأس حولها {#spc} تمزقها أنيابهُ والأظافرُ
وجمّع فيها الخير والشر رابط {#spc} من النفس مشدود إليها مخامرُ
وشتى عبادات وشتى عقائد{#spc} يؤلفها الإيمان وهي نوافرُ
وفيها من المجهول سرٌ وروعة {#spc}ورغبة محروم وخوف مساورُ
وقد كان في المجهول مطمح {#spc}كاشـف تحجّبه عن طالبيه الستائرُ
فيا ليته يدري بما خلف سترهُ فيختم{#spc} سفر الناس في الأرض ظافرُ
وعادت له الآمالُ إذ جدّ مطمح {#spc}يرجى ، وأذكاه الخيال المغامرُ
لعل وراء الكون مفتاح لغزه {#spc} وطلسم ما ضمت عليه السرائرُ
وما هي إلا ومضةٌ تكشف الدجى {#spc} ويخلع هذا الجسم والجسمُ جائرٌ
ولولا مواثيق الحياة تشدّهٌ{#spc} إليها لأمضى عزمهُ وهو صابرُ
وخلّف هذا الجسم للموت والبلى {#spc}وأشرق روحاً حيث تصفو البصائرُ
وعاودهُ حب الحياة لذاتها{#spc} وقد أجفلت تلك النوازي الكوافرُ
وهاجت به الأطمـاع حب امتلاكها {#spc} له وحدهُ والناس ميت وداثرُ
فعاد إلى الدنيا العريضة مالكاً {#spc}ولا من يلاحيهِ ولا من يشاطرُ
ولكنه لم يستطب ملكهُ الذي{#spc} تمحص لا يسعى به أو يغامرُ
وما فيه من كدّ ولا من تسابقٍ {#spc} ولا سابق في الكادحين وقاصرُ
وكيف يطيب العيشُ إلا تزاحماً {#spc}فيربحُ مجدود ، ويخسرُ عاثرُ
:' برمتُ بهذا الكون همدان موحشاً {#spc}برمتُ بملكٍ ربهُ فيه خاسرُ '
'فهيّا إذن للموت أروح {#spc}رحلة لتكشف أستار ويهدأ ثائرُ '
وفيما يعاني سكرة الموت هينمت {#spc}إلى مسمعيه هاتفات سواحرُ
' هو السر أن تهفو إلى السر لهفة{#spc} وأن تشتروا الآتي بما هو حاضرُ '

COMMENTS OF THE POEM
READ THIS POEM IN OTHER LANGUAGES
سيد قطب

سيد قطب

مصر / أسيوط
Close
Error Success