سكناّ ولم يسكن حراك التبدد Poem by معروف الرصافي

سكناّ ولم يسكن حراك التبدد

سكناّ ولم يسكن حراك التبدد {#spc} مواطن فيها اليوم ايمن من غد
عفا رسم مغنى العز منها كما عفت {#spc} «لخولة أطلال ببرقة ثهمد»
بلاد أناخ الذلّ فيها بكلكل {#spc} على كل مفتول السبالين اصيد
معاهد عنها ضلّ سابق عزها{#spc} فهل هو من بعد الضلالة مهتد
أحاطت بها الأرزاء من كل جانب {#spc} إلى أن محتها معهداً بعد معهد
وحلق في آفاقها الجور بازياً {#spc} مطلاً عليها صائتاً بالتهدد
وينقضّ أحياناً عليها فتارة {#spc} يروح وفي بعض الأحايين يغتدي
فيخطف اشلاء من القوم حية ً {#spc} ولم يقد المقتول منها ولم يدِ
ويرمى بها في قعر أظلمَ موحش {#spc} به أين تسقطْ جذوة الروحُ تخْمدُ
هو السجن ما ادراك ما السجن انه {#spc} جلاد البلايا في مضيق التجلد
بناءٌ محيط بالتعاسة والشقا {#spc} لظلمّ بريء أو عقوبة معتد
زُرِ السجن في بغداد زورة راحم {#spc} لتشهد للأنكاد افجع مشهد
محل به تهفو القلوب من الاسى {#spc} فان زرته فاربط على القلب باليد
مرَّبعُ سورٍ قد احاط بمثله {#spc} محيط بأعلى منه شِيدَ بقَرمد
وقد وصلوا ما بين ثان وثالث {#spc} بمعقود سقف بالصخور مُشيَّد
وفي ثالث الاسوار تشجيك ساحة ٌ {#spc} تمور بتيار منالخسف مزبد
ومن وسط السور الشمالي تنتهي {#spc} إليها بسدود الرّتاجين مُوصد
هي الساحة النكراء فيها تلاعبت {#spc} مخاريق ضيم تخلط الجِدَّ بالدَّد
ثلاثون متراً في جدار يحيطها {#spc} بسمك زهاء العشر في الجوّ مصعد
تواصلت الاحزان في جنباتها {#spc} بحيث متى يَبلَ الأسى يتجدّد
تصعَّد من جوف المراحيض فوقها {#spc} بخارٌ اذا تمررْ به الريح تفسد
هناك يودُّ المرء لو قاء نفسه {#spc} وأطلقها من أسر عيش مُنكد
فقف وسطها وانظر حواليك دائراً {#spc} إلى حُجَر قامت على كل مقعد
مقابر بالأحياء غصت لحودها {#spc} بخمس مئتين انفس أو بازيد
وقد عميت منها النوافذ والكوى {#spc} فلم تكتحل من ضوء شمس بمردود
تظن إذا صدرَ النهار دخلتها {#spc} كأنك في قطع من الليل اسود
فلو كان للعباد فيها اقامة ٌ {#spc} لصلوا بها صلاة التهجد
يزور هبوبُ الريح إلا فِناءَها {#spc} فلم تحظ من وصل النسيم بموعد
تضيق بها الانفاس حتى كأنما {#spc} على كل حيزوم صفائح جلمد
بحبل اختناق محكم الفتل مُحصد {#spc} ................
بها كل مخطوم الخشام مذلل {#spc} متى قِيد مجرورا إلى الضَّيم ينقد
يبيت بها والهم ملءُ اهابه {#spc} بليلة منبول الحشا غير مقصد
يُميت بمكذوب العزاء نهاره {#spc} ويحيي الليالي غير نومٍ مشرد
ينوء باعباء الهوان مقيداً {#spc} ويكفيه ان لو كان غير مقيد
وتقذفهم تلك القبور بضغطها {#spc}عليهم لحر الساحة المتوقد
فيرفع بعض من حصير ظلالة{#spc} ويجلس فيها جلسة المتعبد
وليست تقيه الحر الا تعلة ً {#spc} لنفس خلت من صبرها المتبدد
وبالثوب بعض يستظل وبعضهم {#spc} بنسج لعاب الشمس في القيظ يرتدي
فمن كان منهم بالحصير مظللاً {#spc} يعدونه ربَّ الطراف الممدد
تراهم نهار الصيف سُفعاً كأنهم {#spc} اثافيُّ اصلاها الطهاة بموقد
وجوه عليها للشحوب ملامح {#spc} تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
وقد عمَّهم قيد التعاسة موثقاً {#spc} فلم يتميز مطلق عن مقيد
فسيدهم في عيشه مثل خادم {#spc} وخادمهم في ذُلِّه مثل سيد
يخوضون في مستنقع من روائح {#spc} خبائث مهما يزدد الحر تزدد
تدور رؤُوس القوم من شمّ نتنها {#spc} فمن يك منهخم عادم الشم يحسد
تراهم سُكارى في العذاب وما هم {#spc} سكارى ولكن من عذاب مشدَّد
وتحسبهم دوداً يعيش بحمأة {#spc} وما هو من دود بها متولِّد
ألا ربِّ حر شاهد الحكم جائراً {#spc} يقود بنا قود الذلول المعبد
فقال ولم يجهر ونحن بمنتدى {#spc} به غيرُ مأمون الوشاية ينتدى
على ايّ حكم أم لا ية حكمة {#spc} ببغداد ضاع الحق من غير منشد
وقلت لأن العدل لم يتبغدد {#spc} ..................
رعى الله حياً مستباحاً كأنه {#spc} من الذعر أسراب النعام المطرد
وما صاب البيت الحقير بناؤه {#spc} بافزع من رب البلاط الممرد
وما ذاك إلا أنهم قد تخاذلوا {#spc} ولم ينهضوا للخصم نهضة مُلبد
فناموا عن الجلّي ونمت كنومهم {#spc} سوى نوحة مني بشعر مغرد
وهل أنا إلا من أولئك إن مشوا {#spc} مشيت وان يقعد اولئك اقعد
وكم رمت إيقاظاً فأعيا هبوبهم {#spc} وكيف وعزم القوم شارب مُرقدِ
نهوضاً نهوضاً ايها القوم للعلى {#spc} لتبنوا لكم بنيان مجد موطد
تقدمنا قوم فابعد شوطهم {#spc} وقد كا عنا شوطهم غير مبعد
وسدَّ علينا الاعتساف طريقنا {#spc} فأجحف بالغوريّ والمتنجِّد
أفي كل يوم يزحف الدهر نحونا {#spc} بجند من الخطب الجليل مجند
فيا ربِّ نفِّس من كروب عظيمة {#spc} ويا ربِّ خفف من عذاب مشدَّد

COMMENTS OF THE POEM
READ THIS POEM IN OTHER LANGUAGES
Close
Error Success