المشرقان عليك ينتحبان Poem by أحمد شوقي

المشرقان عليك ينتحبان

المشرقانِ عليكَ ينتحبان{#spc} قاصيهُما في مأْتَمٍ والداني
يا خادمَ الإسلامِ، أجرُ مجاهدٍ{#spc} في الله من خُلْدٍ ومِنْ رِضْوان
لمّا نعيتَ إلى الحجاز مشى الأسى{#spc} في الزائرينَ وروِّع الحرمان
السكة ُ الكبرى حيالَ رباهما {#spc}مَنكوسة ُ الأَعلامِ والقُضْبان
لم تَأْلُها عندَ الشدائدِ خِدمة ً{#spc} في الله والمختار والسلطان
يا ليتَ مكة َ والمدينة َ فازتا {#spc} في المحفِلَيْن بصوتِكَ الرَّنَّان
ليرى الأَواخرُ يومَ ذاكَ ويسمعوا {#spc}ما غابَ من قسٍّ ومن سحبان
جارَ التراب وأنتَ أكرمُ راحل {#spc} ماذا لقيتَ من الوجود الفاني؟
أَبكِي صِباكَ؛ ولا أُعاتبُ من جَنى{#spc} هذا عليه كرامة ً للجاني
يتساءلون: أبـ السلالِ قضيت، أم{#spc} بالقلبِ، أَم هل مُتَّ بالسَّرَطان؟
الله يَشهد أَنّ موتَك بالحِجا {#spc} والجدِّ والإقدامِ والعِرفان
إن كان للأخلاق ركنٌ قائمٌ {#spc} في هذه الدنيا، فأنت الباني
بالله فَتِّشْ عن فؤادِك في الثّرى{#spc} هل فيه آمالٌ وفيه أماني؟
وجدانك الحيُّ المقيمُ على المدى{#spc} ولرُبَّ حَيٍّ مَيِّتُ الوجْدان
الناسُ جارٍ في الحياة ِ لغاية{#spc} ٍ ومضللٌ يجري بغير عنان
والخُلْدُ في الدنيا ـ وليس بهيِّنٍ {#spc}ـ عُليا المرَاتبِ لم تُتَحْ لجبان
فلو أن رسلَ اللهِ قد جبنوا {#spc}لما ماتوا على دينٍ من الأَديان
المجدُ والشَّرفُ الرفيعُ صحيفة ٌ {#spc} جعلتْ لها الأخلاقُ كالعنوان
وأحبُّ من طولِ الحياة ِ بذلة ٍ{#spc} قصرٌ يريكَ تقاصرَ الأقران
دَقَّاتُ قلبِ المرءِ قائلة ٌ له{#spc}: إنَّ الحياة َ دقائقٌ وثواني
فارفع لنفسك بعدَ موتكَ ذكرها{#spc} فالذكرُ للإنسان عُمرٌ ثاني
للمرءِ في الدنيا وجَمِّ شؤونها {#spc} ما شاءَ منْ ريحٍ ومنْ خسران
فَهي الفضاءُ لراغبٍ مُتطلِّعٍ {#spc} وهي المَضِيقُ لِمُؤثِرِ السُّلْوان
الناسُ غادٍ في الشقاءِ ورائحٌ{#spc} يَشْقى له الرُّحَماءُ وهْوَ الهاني
ومنعَّمٌ لم يلقَ إلا لذة ً{#spc} في طيِّها شجَنٌ من الأَشجان
فاصبر على نُعْمى الحياة ِ وبُؤسِها {#spc} نعمى الحياة ِ وبؤسها سيَّان
يا طاهرَ الغدواتِ، والروحاتِ، {#spc}والـ ـخطراتِ، والإسْرارِ، والإعْلان
هل قامَ قبلكَ في المدائن فاتحٌ{#spc} غازٍ بغيرٍ مُهنّدٍ وسِنان؟
يدعو إلى العلم الشريفِ، وعنده {#spc} أَن العلومَ دعائمُ العُمران؟
لفُّوكَ في علم البلادِ منكَّساً {#spc}جزع الهلال على فتى الفتيان
ما احمرَّ من خجلٍ، ولا من ريبة{#spc} ٍ لكنَّما يبكي بدمع قاني
يُزْجُون نَعشك في السَّناءِ وفي السَّنا {#spc} فكأَنما في نِعشكَ القمران
وكأَنه نعشُ الحُسينِ بكرْبَلا {#spc} يختالُ بين بُكاً، وبينَ حَنان
في ذِمَّة ِ الله الكريمِ وبِرِّهِ {#spc}ما ضمَّ من عرفٍ ومن إحسان
ومشى جلالُ الموتِ وهو حقيقة{#spc} ٌ وجلالك المصدوقُ يلتقيان
شَقَّتْ لِمَنظرِك الجيوبَ عقائلٌ{#spc} وبكتكَ بالدمعِ الهتونِ غواني
والخلقُ حولَكَ خاشعون كعهدِهم {#spc} إذ يُنصِتُون لخطبة ٍ وبَيان
يتساءلون: بأيٍّ قلبٍ ترتقى {#spc} بَعْدُ المنابرُ، أَم بأَيِّ لسان؟
لو أَنّ أَوطاناً تُصوَّرُ هَيْكلاً {#spc} دفنوكَ بين جوانحِ الأوطان
أو كان يحمل في الجوارح ميتٌ {#spc} حملوك في الأَسماع والأَجفان
أو صيغَ من غرِّ الفضائلِ والعلا{#spc} كفنٌ لَبِستَ أَحاسنَ الأَكفان
أَو كان للذكر الحكيم بقية ٌ{#spc} لم تَأْتِ بعدُ؛ رُثِيتَ في القرآن
ولقد نظرتك والردى بك محدقٌ {#spc}والداءُ ملءُ معالمِ الجثمان
يَبْغِي ويطْغَى ، والطبيب مُضلَّلٌ {#spc}قنطٌ، وساعاتُ الرحيل دواني
ونواظرُ العُوّادِ عنكَ أَمالَها {#spc} دمعٌ تُعالِج كتْمَهُ وتُعاني
تُمْلِي وتَكتُبُ والمشاغِل جَمَّة ٌ{#spc} ويداك في القرطاسِ ترتجفان
فهششتَ لي، حتى كأنك عائدي {#spc} وأَنا الذي هَدَّ السَّقامُ كِياني
ورأيتُ كيف تموتُ آسادُ الشَّرى {#spc} وعرفتُ كيف مصارعُ الشجعان
ووَجَدْتُ في ذاك الخيالِ عزائماً {#spc}ما للمنونِ بدكهنَّ يدان
وجعلتَ تسألني الرثاءَ، فهاكه {#spc} من أدمعي وسرائري وجناني
لولا مُغالبة ُ الشُّجونِ لخاطري {#spc} لنظمتُ فيكَ يَتيمة َ الأَزمان
وأَنا الذي أَرثِي الشموسَ إذا هَوَتْ {#spc} فتعودُ سيرتها إلى الدوران
قد كنتَ تهتفُ في الورى بقصائدي{#spc} وتجلُّ فوق النيراتِ مكاني
مَاذَا دَهانِي يومَ بِنْتَ فَعَقَّني{#spc} فيكَ القريضُ، وخانني إمكاني؟
هوِّنْ عليكَ، فلا شماتَ بميِّتٍ {#spc}إنّ المنيَّة غاية ُ الإنسان
مَنْ للحسودِ بميْتة ٍ بُلِّغْتَها {#spc} عزتْ على كسرى أنوشروان؟
عُوفِيتَ من حَرَبِ الحياة ِ وحَرْبِها {#spc} فهل استرحْت أَم استراح الشاني؟
يا صَبَّ مِصْرَ، ويا شهيدَ غرامِها {#spc} هذا ثرى مصرٍ، فنمْ بأمان
اخلَعْ على مصرٍ شبابَك عالياً {#spc}وکلبِسْ شَبابَ الحُورِ والوِلْدان
فلعلَّ مصراً من شبابِكَ تَرتدِي {#spc} مجداً تتيهُ به على البلدان
فلوَ أنّ بالهرمينِ من عزماته {#spc} بعضَ المَضَاءِ تحرّك الهَرمان
علَّمْتَ شُبانَ المدائنِ والقُرى {#spc} كيف الحياة ُ تكونُ في الشبان
قبرٌ أَبرُّ على عظامِك حاني {#spc}مصرُ الأَسيفة ُ ريفُها وصعيدُها
أقسمتُ أنك في الترابِ طهارة{#spc} ٌ ملكٌ يهابُ سؤاله الملكان

COMMENTS OF THE POEM
READ THIS POEM IN OTHER LANGUAGES
Close
Error Success