النهر المتجمد Poem by ميخائيل نعيمة

النهر المتجمد

يا نهرُ هل نضبتْ مياهُكَ فانقطعتَ عن الخريـر ؟ {#spc} أم قد هَرِمْتَ وخار عزمُكَ فانثنيتَ عن المسير ؟
بالأمسِ كنتَ مرنماً بين الحدائـقِ والزهـور {#spc} تتلو على الدنيا وما فيها أحاديـثَ الدهـور
بالأمس كنتَ تسير لا تخشى الموانعَ في الطريـق {#spc} واليومَ قد هبطتْ عليك سكينةُ اللحدِ العميـق
بالأمس كنـتَ إذا أتيتُكَ باكيـاً سلَّيْتَنـي {#spc} واليومَ صـرتَ إذا أتيتُكَ ضاحكـاً أبكيتنـي
بالأمسِ كنتَ إذا سمعتَ تنهُّـدِي وتوجُّعِـي {#spc} تبكي ، وها أبكي أنا وحدي، ولا تبكي معي !
ما هذه الأكفانُ ؟ أم هذي قيـودٌ من جليـد {#spc} قد كبَّلَتْكَ وذَلَّلَتْـكَ بها يدُ البـرْدِ الشديـد ؟
ها حولك الصفصافُ لا ورقٌ عليه ولا جمـال {#spc} يجثو كئيباً كلما مرَّتْ بـهِ ريـحُ الشمـال
والحَوْرُ يندبُ فوق رأسِـكَ ناثـراً أغصانَـهُ {#spc} لا يسرح الحسُّـونُ فيـهِ مـردِّداً ألحانَـهُ
تأتيه أسرابٌ من الغربـانِ تنعـقُ في الفَضَـا {#spc} فكأنها ترثِي شباباً من حياتِـكَ قـد مَضَـى
وكأنـها بنعيبها عندَ الصبـاحِ وفي المسـاء {#spc} جوقٌ يُشَيِّعُ جسمَـكَ الصافي إلى دارِ البقـاء
لكن سينصرف الشتا ، وتعود أيـامُ الربيـع {#spc} فتفكّ جسمكَ من عِقَالٍ مَكَّنَتْهُ يـدُ الصقيـع
وتكرّ موجتُكَ النقيةُ حُرَّةً نحـوَ البِحَـار {#spc} حُبلى بأسرارِ الدجى ، ثملى بأنـوارِ النهـار
وتعود تبسمُ إذ يلاطف وجهَكَ الصافي النسيم {#spc} وتعود تسبحُ في مياهِكَ أنجمُ الليلِ البهيـم
والبدرُ يبسطُ من سماه عليكَ ستراً من لُجَيْـن {#spc} والشمسُ تسترُ بالأزاهرِ منكبَيْـكَ العارِيَيْـن
والحَوْرُ ينسى ما اعتراهُ من المصائـبِ والمِـحَن {#spc} ويعود يشمخ أنفُهُ ويميس مُخْضَـرَّ الفَنَـن
وتعود للصفصافِ بعد الشيبِ أيامُ الشبـاب {#spc} فيغرد الحسُّـونُ فوق غصونهِ بدلَ الغـراب
قد كان لي يا نـهرُ قلبٌ ضاحكٌ مثل المروج {#spc} حُرٌّ كقلبِكَ فيه أهـواءٌ وآمـالٌ تمـوج
قد كان يُضحي غير ما يُمسي ولا يشكو المَلَل {#spc} واليوم قد جمدتْ كوجهِكَ فيه أمواجُ الأمـل
فتساوتِ الأيـامُ فيه : صباحُهـا ومسـاؤها {#spc} وتوازنَتْ فيه الحياةُ : نعيمُـها وشقـاؤها
سيّان فيه غدا الربيعُ مع الخريفِ أو الشتاء {#spc} سيّان نوحُ البائسين ، وضحكُ أبناءِ الصفاء
نَبَذَتْهُ ضوضاء ُ الحياةِ فمـالَ عنها وانفـرد {#spc} فغـدا جماداً لا يَحِنُّ ولا يميلُ إلى أحـد
وغدا غريباً بين قومٍ كـانَ قبـلاً منهـمُ {#spc} وغدوت بين الناس لغزاً فيه لغـزٌ مبهـمُ
يا نـهرُ ! ذا قلبي أراه كما أراكَ مكبَّـلا {#spc} والفرقُ أنَّك سوفَ تنشطُ من عقالِكَ ، وهو لا

COMMENTS OF THE POEM
READ THIS POEM IN OTHER LANGUAGES
Close
Error Success