ذهبت إلى ميسون Poem by شوقي بغدادي

ذهبت إلى ميسون

ذهبتُ لأسقي الضريحَ الفقيرا
فلم ألْقَ إلاّ القذى في عيوني
وإلاّ الصخورا
حملتُ له بندقيّة جدّي
كأنّ القتالَ سيبدأُ
قال: حفيدٌ غبيٌّ
وكان الغبارُ كثيفا
تخيّلتُ خلف الغبارِ جيوشاً
وخلفَ الصخور خصوماً
وخلف الضجيج نزيفا

ـ 2 ـ
وحين تأكّدتُ أنّ القتال تقضّى
وقفتُ وأنشدتُ باسمِ الجماهيرِ
أغنيّتي، وخطابي العنيفا
وعدتُ بورقةِ غارٍ
وإكليل شوكٍ
فصدّقني سائق 'الباص'
فاختطَفَ الأرضَ
وهو يصيحُ: انتصرنا
وكان رفاق الطريقِ نياماً
فصار الكلامُ نواحاً
ولغواً سخيفاً

لِمَنْ ميسلونُ؟
وذاكرتي علبةٌ أغلقوها
وقافلتي صحبةٌ شرّدوها

ـ 3 ـ
وأسلحتي تُحَفٌ فوق جدرانهم عَلَّقوها
وها أنذا أطلبُ الموتَ
والموتُ يسخرُ منّي
تمهّلْ، فلا بدّ أن تُكملَ المسرحيّةَ
شاهدتَ كلّ الفصولِ
ولم يَبْقَ إلاّ الختامُ
فلا تتسرّعْ
ستبصرُ عما قليل.. هبوطَ الستارِ
على مسرحٍ ليس فيه سواكَ
فكنْ شاهداَ
ورجاءً أخيرا

تمهَّلْ، وقلْ لهمُ
ميسلونُ تعود غداَ
فإذا صدّقوكَ

ـ 4 ـ
فسلّم على الصدقِ عادَ
وكنْ صادقاً مثلهمْ
فإذا احتشدوا
لفَّ جسمَكَ بالعلمِ الوطنيِّ
وقاتِلْ ومُتْ
إنّ موتَكَ عندئذِ جملةٌ حلوةٌ في الختامِ
لهذرٍ مديدٍ
سيغفرةُ الناسُ عنكَ
ولن يتبقّى سوى أنّه لم يكن كاذباً
حين قال: أحبُّ وأكرهُ
لكنّه ساذجٌ
عندما طلبَ الموتَ قبل الأوانِ
وأنهكه العشقُ
حين أصرَّ صغيرا
ولم يَكُ لاعَبهُ الكفءَ
حين أحبَّ كبيرا

ذهبتُ إلى ميسلونَ
ـ 5 ـ
وحين وصلتُ
أخذتُ قراريَ أن لا أعودْ
تمدّدتُ قربَ الضريح
وصحتُ بأجملَ ما في جنوني
أنا .. لن أعودْ
سأوقظُ رملَ البوادي وصخرَ الجبالِ
أحرّضُ حتى الأفاعي، العقاربَ
كلَّ ذئابِ البراري
وحتى دخانَ القرى المتثاقلَ عند الحدودْ
أصيحُ: إلى ميسلونَ.. إلى ميسلونَ..
إليَّ .. إليّ .. هنا فأنا لن أعودْ
وإن عدتُ نحو دمشقَ
فسوف أقولُ
لمن يمسك السيف في ساحة الصالحيّةِ
عدت لكي أستعيدك
من وقفةِ المعدنِ الصُلْبِ
من صرعة المجد والعنفِ

6
أو من طنينِ القيودْ
فهيّا.. أنا الآنَ أجمعُ كلّ البواريدِ
كلَّ البنادقِ، كلَّ الأراجيلِ
كلَّ فُتاتِ الجنودْ
نمرُّ بجولاننا أوّلاًً
كي نعاودَ من عندهِ
ما يبرّرُ إحياءَ معركةٍ أنت فيها
وزيرُ الدفاع الذي كنتَ
من دون شيءٍ على صدرهِ
لا نياشين تثقلهُ
ليسَ شيءٌ
سوى ثوبِ خاكيّهِ المستردِّ الفقيدْ

ذهبتُ إلى ميسلونَ
لأنبش عن ميّتٍ لم يمتْ
وهو يُصغي إلى الهرجِ والمَرْجِ
بين الغواةِ يثيرون قطعاننا
من وراء الكباشِ التي تتناطحُ
عند الورودْ
ذهبتُ لأخبره أنّنا غيرهم
وليس سواك لنا
فاختبرنا
فأنت القديمُ الأصيلُ
وأنت الجديدُ الوحيدْ

ذهبتُ إلى ميسلونَ
وما زلتُ فيها

COMMENTS OF THE POEM
READ THIS POEM IN OTHER LANGUAGES
شوقي بغدادي

شوقي بغدادي

بانياس / سورية
Close
Error Success